الدرس 04- مرتكزات الذكاء الاصطناعي - النماذج
الدرس الرابع: 🧩الشبكات العصبية كنموذج متقدّم - حين تتعلّم الآلة على طريقة الدماغ حين تفتح دفتر الرسم في ساعة الصباح الأولى، تجد اللوحة البيضاء في انتظارك: صفحة واسعة لا تحمل معنى، ولا تنطق بشيء. تقترب منها، تلمس سطحها بيدك، وتشعر أن الخطوة الأولى ليست في اللون، بل في فتح العين على المشهد الذي تريد رسمه. هذا المشهد الذي تقف أمامه يشبه تمامًا البيانات التي يستقبلها النموذج في لحظته الأولى: أرقام، أو كلمات، أو نقاط ضوء، تأتي كما هي، بلا تفسير. هنا، تبدأ الحكاية: كيف تتحول هذه الصفحة البيضاء إلى صورة؟ وكيف تتحول البيانات الخام إلى فهم؟ يمدّ الرسّام يده إلى الفرشاة، ويضع أول طبقة رقيقة من اللون. هذه الطبقة لا تُظهر شيئًا بعد، لكنها تهيئ السطح لقبول الطبقات التالية. هكذا تعمل طبقة المدخلات في الشبكات العصبية: إنها لا تفهم الصورة، لكنها تلتقط ألوانها الأولية، وتسمح للبيانات بأن تستقر على سطح النموذج. واللوحة -في هذه اللحظة- لا تزال صامتة. ثم يأتي التحوّل الأول: الرسّام يضيف طبقة ثانية فوق الأولى، طبقة لا تستطيع تمييزها وحدها، لكنها تغيّر ما تحتها قليلًا. يضع طبقة خفيفة فوق الأخرى، يخفّف منطقة كانت متشبعة أكثر مما ينبغي، ويعيد توزيع الظلال حتى تستوي الصورة شيئًا فشيئًا. ومع كل لمسة، تتبدل اللوحة في العمق قبل أن تتبدل في السطح. هذا ما يحدث في الطبقات المخفية في الشبكات العصبية. كل طبقة منها ليست لوحة جديدة، بل تعديل داخلي على فهم أولي، تعديل صغير لا يُرى تأثيره إلا حين تتجمع الطبقات فوق بعضها. وكل طبقة تُسلّم ما فهمته إلى التي تليها، كما يسلم الرسّام أثر لونه إلى الطبقة الثالثة والرابعة حتى يتكون المشهد الذي يريد. وقد يحدث أن يخطئ الرسّام. يضيف كتلة لونية أثقل مما ينبغي، أو يظلل جانبًا ليس من المفترض أن يظلل. فإذا ابتعد خطوة إلى الخلف، اكتشف أن شيئًا خفيًا في الصورة قد انحرف. في تلك اللحظة، يعود إلى اللوحة، يرفع الخطأ، يخففه، يعيد مزج اللون، ثم يضع طبقة جديدة تصحح ما فات. هذه العودة إلى الخلف هو ما يشبه في الشبكات العصبية الانتشار العكسي. النموذج يجرّب، ثم يقارن، ثم يرسل إشارة تقول: “هنا زاد اللون، هنا نقص، هنا أخطأت، هنا تحتاج إلى تعديل.” وعبر آلاف المحاولات، تتعلم اللوحة كيف تصبح أكثر صدقًا. ومع مرور الوقت، تتراكم الطبقات حتى تصبح الصورة قريبة مما يتصوره الرسّام. وتستطيع أن ترى كيف أن الطبقات الأولى، رغم بساطتها، كانت ضرورية لتثبيت النظرة الأصلية؛ وكيف أن الطبقات الوسطى صنعت توازن الضوء؛ وكيف أن الطبقات الأخيرة منحت الصورة ملمسها الحقيقي. هكذا يتكون القرار النهائي في الشبكة العصبية: ليس نتيجة طبقة واحدة، بل نتيجة المسار الكامل الذي قطعته البيانات عبر طبقات عديدة، كل واحدة تضيف فهمًا أعقد مما قبلها.