الدرس 11 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - الأخلاقيات
الدرس الحادي عشر: دور المستخدم في الحفاظ على الأخلاق - كيف نصبح شركاء مسؤولين في الحوار مع الآلة؟ حين ننظر إلى مشهد الذكاء الاصطناعي اليوم، نجد أن الأضواء تتجه دائمًا نحو المطورين والمختبرات والشركات الكبرى التي تبني الخوارزميات وتطلق النماذج. لكن خلف هذا المشهد الصاخب، يقف طرف لا يقل أهمية عن الجميع: المستخدم. فهو الذي يعطي للنظام شكله اليومي، وهو الذي يحدد طبيعة أسئلته، وطريقة استخدامه للمخرجات، والمسار الذي تتبعه التقنية في المجتمع. وإذا كانت الأخلاقيات تبدأ من مرحلة التصميم، فإنها تُختبر في لحظة الاستخدام، لأن النموذج مهما كان عادلًا ومسؤولًا، يمكن للمستخدم أن يحوّله في لحظة إلى أداة إيذاء، أو وسيلة تضليل، أو قناة نشر لمحتوى منحاز. وهكذا يظهر أن الأخلاق في عصر الذكاء الاصطناعي ليست ملكًا لجهة واحدة، بل عقدًا اجتماعيًا رقميًا يُبنى على وعي الأفراد ومسؤوليتهم. ويأتي وعي المستخدم ليكون الدرع الأول في مواجهة الانحراف. فالوعي هنا لا يعني مجرد معرفة تقنية، بل فهمًا عميقًا لأثر كل سؤال يطرحه الفرد، وكل مخرج يقرّر مشاركته مع الآخرين. فعندما تطلب من نموذج توليدي نصًا أو تحليلًا أو صورة، فإنك لا تعطي أمرًا بسيطًا، بل تحرك سلسلة قد تؤثر في معلومات الناس، وفي مشاعرهم، وفي قراراتهم كذلك. ولهذا يصبح التفكير في النتائج خطوة أخلاقية لا تقل أهمية عن دقة المحتوى نفسه. ويزداد هذا الوعي أهمية حين يدرك المستخدم حدود الذكاء الاصطناعي: أنه لا يعرف نية السائل، ولا يميز بين المزاح والإساءة، وأنه لا يستطيع الحكم على صدق المعلومات ما لم يُقدَّم له محتوى واضح، متوازن، وخالٍ من الخداع. ومن هذا الوعي ينبع الاستخدام المسؤول، وهو الوجه العملي للأخلاق في عالم الذكاء الاصطناعي. ويقوم هذا الاستخدام على احترام القوانين والأنظمة، وعدم توجيه النماذج نحو إنتاج محتوى هدام أو مسيء، سواء كان تحريضًا أو تشويهًا أو تضليلًا مقصودًا. كما يقوم على التحقق من دقة المعلومات قبل نشرها، لأن النماذج قد تنتج مخرجات غير دقيقة، ومن واجب المستخدم مراجعتها بعين نقدية. ويتطلب الاستخدام المسؤول كذلك التمييز بين الإبداع الذي يضيف للمعرفة، وبين التزييف الذي يخدع الجمهور. وبهذا يتحول المستخدم إلى حارس يقظ، يحمي الفضاء الرقمي من الانزلاق إلى الفوضى، لا إلى مجرد مستهلك للمحتوى. ويأتي بعد ذلك دور التغذية الراجعة بوصفها أداة أخلاقية مهمة تقلّص الأخطاء وتعيد ضبط المسار. فحين يلاحظ المستخدم انحرافًا أو تحيزًا أو خطأ في استجابة النموذج، ويقرر الإبلاغ عنه بدل تجاهله، فإنه يشارك في تحسين النظام وفي تطوير معاييره. وهذه المشاركة ليست رفاهية، بل ضرورة، لأن النماذج لا تستطيع اكتشاف كل عيوبها ذاتيًا، بل تحتاج إلى عين بشرية ترى أثر القرار في الواقع. ومن دون هذه التغذية، تُترك الأخطاء تتكرر بصمت، حتى تتحول إلى جزء من السلوك العام للنظام، ويصبح تصحيحها أصعب بمرور الوقت.